إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله،
أخي المسلم:
إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت
بالله، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم
وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله
وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة (الفوائد: 152.).
قال سهل بن عبد الله: من دق الصراط عليه في الدنياعرض(أي: وسع.) عليه في الآخرة، ومن عرض عليه الصراط في الدنيا دق عليه في الآخرة (صفة الصفوة: 4/64.).
والمسلم في هذه الدنيا بين أمرين يملآن جوانحه
ويضيفان عليهما من نبعه ألا وهما الخوف والرجاء.. الخوف من الله والرجاء
فيما عند الله..
قال الحسن:
الرجاء والخوف مطيتا المؤمن.
فإذن لا بد من الجمع بين هذه الأمور، وغلبة الخوف هو
الأصلح ولكن قبل الإشراف على الموت، أما عند الموت فالأصلح غلبة الرجاء
وحسن الظن، لأن الخوف جار مجرى السوط الباعث على العمل وقد انقضى وقت
العمل، فالمشرف على الموت لا يقدر على العمل ثم لا يطيق أسباب الخوف فإن
ذلك يقطع أنياط قلبه ويعين على تعجيل موته.
وأما روح الرجاء فإنه يقوي قلبه ويحبب إليه ربه الذي
إليه رجاؤه، ولا ينبغي أن يفارق أحد الدنيا إلا محبًا لله تعالى ليكون
محبًا للقاء الله تعالى، فإن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، والرجاء
تقارنه المحبة فمن ارتجى كرمه فهو محبوب (الإحياء: 4/174.).
وقال ابن القيم رحمه الله: إن الخوف إن أدى إلى القنوط واليأس من رحمة الله فهو مذموم، بل إساءة أدب على رحمة الله تعالى، التي سبقت غضبه، وجهل بها (مدارج السالكين: 2/42.).
وكان أبو عبيدة الخواص رضي الله عنه يقول في مناجاته: قد كبر سني، وضعف جسمي، ووهن العظم مني فأعتقني (الزهر الفائح: 111.).
وقد أثنى الله جل وعلا على من قرن الخوف بالرجاء في مواضع كثيرة من كتابه فقال تعالى في حق الأنبياء عليهم السلام:
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخشية أبدًا
متضمنة للرجاء ولولا ذلك لكانت قنوطًا، كما أن الرجاء يستلزم الخوف، ولولا
ذلك لكان أمنًا، فأهل الخوف لله والرجاء له هم أهل العلم الذين مدحهم
الله.
أيا عجبًا للناس في طول ما سهوا...وفي طول ما اغتروا وفي طول ما لهو
يقولون نرجو الله ثم افتروا به...ولو أنهم يرجون خافوا كما رجوا
قال أبو سليمان الداراني: أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل، وكل قلب ليس فيه خوف فهو قلب خرب (الإحياء: 4/159.).
يا فرقة الأحباب لا بد لي منك...ويـا دار دنيـا إنني راحـل عنك
ويا قصر الأيام مـا لي وللمنى...ويا سكرات الموت ما لي وللضحك
فما لي لا أبكي لنـفسي بعبرة...إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي
ألا أي حي ليس بالموت موقنًا...وأي يقـين أشـبه الـيوم بالشك
[color=#FF00FF]اشتكى ثابت البناني عينه فقال له الطبيب: 6d5423]]اضمن لي خصلة تبرأ عينك. قال: ما هي؟ قال: لا تبك، قال: وما خير في عين لا تبكي (صفة الصفوة: 3/262.).
وكان الحسن يقول: ما
اغرورقت عين بمائها من خشية الله إلا حرم الله جسدها على النار، فإن فاضت
على خدها لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة، وليس من عمل إلا له وزن وثواب إلا
الدمعة من خشية الله فإنها تطفئ ما شاء الله من حر النار ولو أن رجلاً
بكى من خشية الله في أمة لرجوت أن يرحم الله ببكائه تلك الأمة بأسرها (الزهد للحسن البصري: 99.).
رحمنا الله برحمته وأزال قساوة قلوبنا أين تلك الدموع وأنات الضلوع؟ بل أين التوبة والرجوع؟
ونحن أحوج ما نكون لتنـزل الرحمات وتكفير السيئات
وعلو المقامات هذا عمر بن الخطاب الخليفة الثاني المبشر بالجنة.. كان في
وجهه خطان أسودان من البكاء (الزهد للبيهقي: 678.).
والدموع أخي المسلم عنها سؤال ولها موقف؟؟
قال سفيان: البكاء عشرة أجزاء: جزء لله، وتسعة لغير الله. فإذا جاء الذي لله في العام مرة فهو كثير!!
والدموع الصادقة والعبرات المتتالية علامة على صدق التوبة وحسن الالتجاء
إلى الله جل وعلا.. وأكثر الموفقين إلى العبادة هم أهل الرقة والخوف..
رقيقة قلوبهم، لطيفة مشاربهم.. الكلمة الصادقة تؤثر فيهم والآية من القرآن
تبكي مدامعهم.. فتراهم يقبلون على الطاعة بحب وشوق ويستثمرون أوقات
العبادات وتنزل الرحمات.. مشغولون عن الدنيا، سائرون إلى الآخرة في جادة
طرقت من قلبهم بهدي سيد المرسلين (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام البررة.
قال الحسن: اعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته (جامع العلوم والحكم: 92.).
وكان محمد بن المسيب يقرأ فإذا قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)بكى حتى يرحم (تذكرة الحفاظ: 3/790.).
وقرأ عمر بن الخطاب سورة الطور حتى قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه ( الجواب الكافي: 77.).
وأهل الخير والصلاح يبكون ويخافون من انقطاع الدنيا، وهي دار التزود ومحطة التوقف ومزرعة الآخرة.
فقد بكى بعض العباد فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أن يصوم الصائمون ولست فيهم ويذكر الذاكرون ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم (التبصرة: 1/217.).
ونحن نسير مع الصالحين ونلمح تلك القسمات المضيئة والحياة المشرقة.. أين نصيب الخوف والمحبة من حياتنا.. وأين واقعها في مسيرتنا!!
قال أبو يعقوب النهراجوري: كل من ادعى محبة الله عز وجل ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة (جامع العلوم والحكم: 92.).
وأين نحن من هذه الدعوى إنها عودة من قريب، ونحن في
دار العمل، دعوة إلى التوبة والعودة إلى البكاء والندم على ما سلف وكان..
واغتنام لأيام بقيت.
قال يحيى بن معاذ: من
عبد الله تعالى بمحض الخوف غرق في بحار الأفكار، ومن عبده بمحض الرجاء تاه
في مفازة الاغترار، ومن عبده بالخوف والرجاء استقام في محجة الادكار (الإحياء: 4/174.).
وأثر الدمعة على قلب المسلم عجيب، ولهيبها على وجنتي
التائب غريب، تطفئ لهب المعصية وتزيل أثر المهلكة.. فهي كالغيث للأرض..
تحيي الغافل، وتنير الطريق، إنها دموع التوبة..
قال كعب الأحبار: لأن أبكي من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إليَّ من أن أتصدق بوزني ذهبًا (حلية الأولياء: 5/366.).
والبكاء والدموع أحيانًا تكون في لحظات صفاء ودقائق توجه إلى الله، ثم يزول كل ذلك، ويزول أثر الدمعة بعد ساعات أو ربما أقل.
ولهذا قال بعضهم.. ليس الخائف من بكى، وإنما الخائف من ترك ما يقدر عليه (منهاج القاصدين: 331.).
أخي الحبيب: أين نحن من هؤلاء؟؟
كان سعيد بن المسيب يبكي بالليل حتى عمش (تذكرة الحفاظ: 1/76.).
وكان حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاء شديدًا فقيل له: ما بكاؤك؟ فقال: لا أدري على ما أقدم؟ على رضا أم على سخط (الزهر الفائح: 21.).
وقال أبو رجاء العطاردي: رأيت
ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من الدموع. وهذا أبو بكر بن
عياش يقول: كنت إذا رأيت عطاء بن السائب وضرار بن مرة رأيت أثر البكاء على
خدودهما (السير: 6/113.).
قال حفص بن عمر:بكى الحسن فقيل له ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي (صفة الصفوة: 3/246.).
وقال أبو حيان التيمي: سمعت منذ ثلاثين سنة أو أكثر أن عبد الله بن مسعود مر على الذين ينفخون على الكير فسقط.
وقال سعد بن الأخرم كنت أمشي مع ابن مسعود فمر بالحدادين وقد أخرجوا حديدًا من النار فقام ينظر إليه ويبكي.
وعن سمير الرياحي عن أبيه قال: شرب عبد الله بن عمر ماءً مبردًا فبكى فاشتد بكاؤه، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت آية في كتاب الله عز وجل: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئًا، شهوتهم الماء، وقد قال الله -عز وجل- {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}.
والبكاء والحزن مرده إلى أمر ذكره الحسن بقوله: يحق
لمن يعلم أن الموت مورده وأن الساعة موعده وأن القيام بين يدي الله مشهده
أن يطول حزنه (حلية الأولياء: 2/133.).
فيبكي على ميت ويغفل نفسه...كـأن بكفـيه أمـانًا من الردى
وما الميت المقبور في صدر يومه...أحق بأن يبكيه من ميت غدا
(محاسبة النفس: 83.)
قال الحسن بن عرفة: رأيت
يزيد بن هارون بواسط، من أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعين واحدة، ثم
رأيته أعمى - فقلت: يا أبا خالد! ما فعلت العينان الجميلتان؟ قال: ذهب
بهما بكاء الأسحار
(تذكرة الحفاظ: 3/790.).
الله أكبر ما أجمل الفعل، وما أجمل القول.. ذهب بهما
بكاء الأسحار أين نحن من وقت السحر؟؟ .. وقت تتنزل فيه الرحمات وتوزع فيه
العطيات. إنها غفلة طويلة وأمل بعيد.
كان مالك بن دينار رضي الله عنه يبكي حتى سودت الدموع خده. وكان يقول: لو ملكت البكاء لبكيت أيام حياتي (الزهر الفائح: 21.).
أما السري السقطي فإنه يدافع البكاء في أول الليل، فإذا نام الناس أخذ في البكاء إلى الصباح (الزهر الفائح: 18.).
ومن الناس اليوم. بل غالبهم لا يبكي من خشية الله إلا مرة في العام أو مرة في عمره كله..
أما النساء اليوم فتوسعن في البكاء من كل شيء وفي كل
شيء، إلا من خشية الله.. فتراها تبكي لتأخر ثيابها.. وتراها تبكي لنقص في
ملبسها.. تبكي من كل شيء إلا من خشية الله.. وهي رقيقة القلب. قريبة إلى
التوبة.. صاحبة الخير ومنادية الفلاح. فأين هي من خشية الله والبكاء على
الذنوب والتقصير في الطاعات؟
أيهما أشد لتبكي عليه سقط من حطام الدنيا أم الآخرة وأهوالها؟
قال مالك بن دينار: البكاء على الخطيئة يحط الخطايا كما يحط الريح الورق اليابس (الزهر الفائح: 18.).
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها....لنفسي في نفسي عن الناس شاغل